01‏/03‏/2012

رجل في المقهى

    أغلق حاسوبه المحمول يعصبية,أقفل كتبه,ورتب كل شيء بنظام-كما هو دائما-داخل حقيبته,عيناه محملقتان في اللاشيء,حمل كآبته ونفس"التمباك"وجلس بجوار ذاك العجوز المتأمل دائما....حقيبته بجانبه,نفسه بيده,ولا زال اللاشيء هو الموضوع الذي يجذب عينيه,ظننته في البداية مغادرا فهو-كما يبدو-لا يحب الصخب والضجيج,أنها الخامسة تماما هو لا يتأخر بالعادة حتى هذا الغياب,صديق الشمس عرفته...يصحو معها ويخزن نفسه إذا غابت.


    "نقاش مفكرين" هذا ما وصف صديقي به تلك الرقصات الذهنية التي كان يؤديها بتناسق مع العجوز ذاته.حاولت استراق الحديث,كلام فلسفي لم اسمع به قبلا واسماء كتاب لم اعرف لهم جنس من لغة.فكرت كثيرا في الآلية التي يمكن أن يكون قد تكيف بها هذا الأنسان مع وضعه,هل فكر بالأنتحار...هل ترك الماديات جانبا ليعيش ما تبقي من أيامه بروحانية...هل يأتي إلى هنا كي يقتل يأسه وملله أم ليتكلم مع "العجوز".....هل يبكي طوال الليل ويندب حظه ويعترض على قسمته من الدنيا....هل....وهل.....قطع على تسآؤلاتي عندما انتصب واقفا وذهب ليصلي في محراب صغير.لقد قطع كل شكوكي بضربة واحدة,حركة واحدة زادت اعجابي واحترامي له درجات.


    سحب نفس التمباك بعمق,احتبسه ليملأ به صدره كأنه لا يريد له الأنتهاء,ويخرجه كأنه أخرج معه كل هموم الأنسانية جمعاء,في قبعته السوداء السلبة التي تمثل فكره المحايد رائحة لعبق من ماضي لم يعاصره,بل تقمصه عبر الكتب التي أعتقد أنه يسبح بينها طوال الوقت.يرتشف الشاي في عجل,رشفة وراء أخرى.كمن يقلب في الصفحات بحثا عن الفكرة منها.لكن أين الفكرة في كوب شاي لا تقدس كل رشفة فيه.أظنه تضايق من نظراتي له...لربما يتذكرني منذ ذاك اليوم الذي سلمت عليه عندما كنت مع صديق مشترك لنا.إذا يظنني أعرف قصته واشفق عليه,لا أنه يظنني متطفلا فضوليا ينتقد أختلافه مع نفسة.تناسيته وعدت لأركز في عملي,ولكنه لا يزال ملتصقا بذهني.أردت النظر أليه لأعرف ما يفعل في تلك اللحظة,يقوم بدفع حسابه دون أكتراث للنقود.يضع يديه في جبيه ويغيب....