23‏/07‏/2012

أرضي أنا


   للوهلة الأولى....يدرك أن لقطرات الندى مفعولا أكبر من القهوة أو أي نوع آخر من المنبهات في المساعدة على الأستيقاظ....كان الوقت قد تجاوز السابعة بدقائق قليلة....بدأت الحافلة بالتحرك ببطء....وبدأ قلبه بالخفقان معها...فاليوم يوم مميز....ليس في كونه يوم عطلة أو حتى لكونه ذاهبا في رحلة ميدانية مع زملائه....ولا حتى لأنه سيكتشف زاوية جديدة من زوايا أرض بلاده.....بل لأنه سيعرف أكثر...فقط سيعرف المزيد عن حبيبته.

   التأمل من النافذة المتسخة من الخارج ببقايا بقع الطين...الوجوه المبتسمة التي تحيطه...وحالة الأنفعال التي تلتبس الجميع....جعلته يسرح قليلا في تسائلات واستفهامات لا أجابة أو طائل منها...تجاوز الركب حدود المدينة ليستفيق من حلمه الجميل بوطن يعمه السلام له ولأبناء شعبه وحدهم...لا ينازعهم عليه أحد...لا مغتصب ينهب أراضيه....ولا مستوطن يسرق مقدراته....كل تلك البيوت الفارهة المنثورة على سفحوح الجبال المحاذية للطريق العام تصفعه بشدة أكبر كلما تفكر بالأمر أكثر....تحاول إيقاظه بعنف من أمنية كل طفل صغير ترعرع مثله على واقع مغتصب وحلم أوحد بنهاية هذا الظلم.....حتى خيوط الشمس المتسللة إلى حجره ببات يشعر بأنها ليست له وحده....بأن شيئا ما ينقصها لمجرد مرورها فوق أرضه التي سلبت منه.

    كم نحن متعبون.....فملامح كل شيء في وطني يدل على التعب....حتى الطريق الترابي الممتلئ بالحفر...حتى اللافتة الملقاة على قارعة الطريق....حتى شجر الخوخ الطاعن في السن....حتى وجه الجدة الجالسة بباب القرية الصغيرة.....توقفت الحافلة بعد زمن لم يشعر بطوله لفرط المتعة....لتعلن أصوات فرامل الحافلة بداية جولتهم في محطة رحلتهم الأولى....وبعد عدة أمتار فقط وجد نفسه في عالم لم يتوقعه....لم يخمن ولو للحظة وجود هذه اللوحات الفنية المتقة الرسم بيد الخالق في بقعة منسية كهذه.....في وطن بائس كوطنه....كم هو الجمال خادع.....ينسينا كل أوجاعنا في لحظات تأمله المسكرة.....في غياهب روعته نضيع من أنفسنا....نبدأ من جديد كأننا ولدنا الآن متناسبن كل رأيناه قبل اليوم.

    منتصبة القامة كالشعب الذي يسكن أرضها....دحرت كل من وقف في طريق أرتفاعها وشموخها....حتى لو كانت صخرة عظيمة كتلك الصخرة التي وقفت عليها شجرة الزيتون الشامخة عظما وقدما.....كأنها تقول لكل من يراها...."أنا هنا صمدت وتحديت وفزت,وأنت؟".....فلا يملك غير الصمت أسفا منها وأجلالا لها جوابا على ما ضربت به كل حالات الضعف البشري بعرض الحائط وبقيت....أما حبات اللؤلؤ المترامية في قعر جدول الماء....تعلن للملأ أنها لن تكون من نصيب إلا من أحبها وصانها وكافح ليفوز بها....مخلصة له للأبد ببريق لن يستمتع به إلا من عرف معناه وعاشه.....