18‏/08‏/2012

عذر عاشق 2

   قطرات العرق ملأت جبينه الأسمر....فتح آخر زرين من أعلى قميصه في محاولة لأخراج بعض بخار غليان مشاعره آخذا رشفة صغيرة من زجاجة العصير من على طاولة البوح القديمة.....لعل قليل السائل البرتقالي المشبر يطفئ بعض نيران داخله التي أوقدتها كلماتي الجارحة....كنت أستغل فوضى مشاعره أفضل استغلال...وأمنح نفسي حق استخدامها مع القليل من الكلمات الصريحة في عملية إجهاض ذلك الحزن الذي أكتنفه منذ رحيلها الأخير....فلم يعد لي طاقة على الجلوس متفرجا عليه يدمر مستقبله بكلتا يديه....فأنا لن استحق مسمى صديق إذا لم أفعل ذلك.

   كان من الجلي للعيان علامات هدوئه النسبي...فقد أخذ نفسا عميقا يستجمع معه ما تبقى من قواه الدفاعية أمام ضغطي الشديد المتكرر على صميم جراحه....على تلك المنطقة المحظورة....بباب أسود مكتوب عليه ممنوع الأقتراب وجدر عازلة لتسرب المشاعر أخفاها....وأعتقد أني الوحيد الذي لربما أستطعت الأقتراب كثيرا من تلك المناطق المحظورة....تأشيرة صداقة/أخوة لربما ما سمح لي بذلك الشرف....أو أنني دخلت متسللا في لحظة ضعف لمناعته ضد الحقيقة....استجمعت أفكاري وقلت له:

      -ما قد تأتي به غيمة حب عابرة،ستذهبه رياح النسيان بعد أن نأخذ منه ما قدر لنا...فمهما حاولنا أخفائة عنها وجمعه في أناء الوفاء فسيتبخر يوما ما....ويبقى الأناء مخبئا بلا حب يبلل داخله....ستنسى صدقني.

عدل جلسته الكئيبة وضم ركبتيه إلى وجهه ورد:

      -أنى لنا برياح عندما نكون بأمس الحاجة لها...فمياه الحب تحولت إلى رطوبة تساعد على تعفن داخلنا وانتشار اليأس في دواخلنا....حتى إذا اهترئت لم تعد صالحة للأستعمال مرة أخرى.

      -أقتح نوافذ قلبك وأدخل نور الأمل أليها....فهناك كل صباح أمل جديد يسطع على حيواتنا....لنكن عاقلين ولا تغلق الستائر وتهيم في سبات لن تستيقظ من سكرته إلا بعد فوات الأوان.
     
أجابني متهكما:هه أمل....

   أي نعم،كنت أعلم جيدا أن أوضاعه المعيشية هذه الأيام قد انحدرت للأسفل....فقلة الأكل والشرب والأنهماك في الدراسة التي لم تسر كما أراد....وأعقاب السجائر المتناثرة في أرجاء معتزله الذي وضع نفسه في متعللا بأنه يود أن يبقى وحيدا....وقلة مخالطته للبشر أجتمعت كلها لتزيد من صعوبة رؤيته لأي بصيص أمل في حياة رمادية اللون بلا معنى أو طائل يذكر....كانت أعظم مشكلاته في إيجاد هدف جديد ينصب على التقدم نحوه غير الأنشغال بالبكاء على ما قفد.....كيف لي أن أقنع رجل جبرانيا كذاك بمنطق درويش في احتواء الحياة على شيء يستحق النهوض من أجله كل صباح....كيف أثري حياته أخرى بديلة عن تلك التي فقدها....أن أثبت له أن خسارة واقعة واحدة أمام القدر لا يعني خسارة المعركة كلها.

      -استمع جيدا لما سأقول....ما منطق بشري يؤيد دفعك لعمرك ثمنا لأنتظار مرجح....قد تصدق فيه الأيام،أو تتركك لتتآكل سنين شبابك على مقعد الترجيح ذاك....هي لم تأتي،ولن تأتي....فلا شك في أنها وجدت حائطا جديدا تستند إليه على الحياة....أو حضن أوسع من حضنك المبتل بالنواح والبكاء....فلك الخيار.


رفعت سكيني المحمر حرارة عن جرحه....كان الكي آخر حل موجع امتلكته في ظل عناده.....تركت كلماتي معلقة بباب آلامه....تتخبط بين أفكاره...ربت على كتفه متأسفا بصمت...وانطلقت...