17‏/08‏/2012

قدر ساخر


صــُدف الحياة جميلة ولكنها أحياناً قاتلة 

-واسيني الأعرج

   ضحكت....ضحكت كثيرا...ضحكت حتى تقطعت خاصرتي...حتى دخت في سكرة استهزاء....عادت الأقدار لتسخر مني من جديد...لتلقيني في خانة تعذيبها...وتلبسني لباس مهرج على مسرح الحياة...مثير للأشمئزاز بأنفه الأحمر المضحك...وشعره الرمادي المائل إلى اليأس...وفمه المقوس للأسفل على وجه أبيض....أضيفت الهالات السوداء حول عينيه لتزيد حضوره حزنا وشقاء مثيرا للضحك....بلقيه الناس بكلمات وورود بعض الأحيان...ويرميه آخرون بكلمات أخرى وحبات الحقد والكره....لم يسألوا أنفسهم إن كان الدمع المنزلق من أطراف محجريه حقيقي أم رسم،حتى لم يكلفوا نفسهم جهد التفكير بسؤال كذاك....أضحكوا...فها أنا أضحك سخرية على نفسي أيضا...أضحكوا فلم أعد أهتم هل نال عرضي استحسانكم أم لا.

   أتجنب الورق المسطر حاملا لكلماتي....كما أتجنب قرائة ردات فعلهم على سطور الوجوه المرصوصة أمامي....فالسطور مهما بلغت من القوة والسماكة لن تتمكن من حمل حبي وشوقي في أي رسالة قصدت فيها قلب ما...ولا حتى روحا ما...لطالما فضلت لوحات المفاتيح والصفحات الأفتراضية الناصعة البياض....ففيها ما يكفي من المساحة للأفكار العائمة على سطح نصوص....وعمق ليخبئ الرسائل المبطنة في قاع الفقرات....أشفق على رفوف المكتبات التي رغم وهنها تستطيع حمل دفاتر مثقلة بمشاعر أنسانية فائضة عن حد المعقول...تكاد تزداد الكراسات سماكة بكل كلمة تضاف إليها....فأضطر لأفقادها بعض الأوراق لعلها تخفف من فيضان الأحاسيس خارج أغلفتها.



   كانت الهائآت المتدافعة مني سوى غصات روح كبتت كثيرا عندما أجتاحتني فكرة أن أجدك في آخر مكان في العالم يمكن أن يبحث فيه لاجئ مثلي عن وطنه....وطن سافر عن ساكنه الوحيد وتركه هائما بلا هوية.....الوطن الذي لطالما حمله بداخله أينما حل....الوطن الذي ظننته في طور جمع أمتعته استعدادا لمغادرة أرض أحساسه بكل تضاريس ذكرياته ومعالم أحساسه المتأصلة فيها....وترك دمية الوفاء الحمراء ملقية على حافة السرير دون رحمة أو شعور بسيط بالذنب....وعينيها المنصبتين على قطعة الحديد المستديرة الشكل الملقاة على طرف التسريحة مقطوعة الأنفاس ساكنة كما السبيكة التي صنعت منها قبل أن تحييها العواطف الآدمية.....تحمل في سكونها الأعلان عن انتهاء كل الوعود الأبدية بالأخلاص....أتخيل كمية السواد واللؤم التي ستتمكن من دفع مقلتيك متجاهلة كل ذلك....ولتنظر صوب مستقبل مادي مرسوم بحرص ومخاطرة أقل...أم أن ما قوة أعظم من العشق هي من دفعتهما وطغت على حبي المتواضع في قلبك....لا أعلم.


"كم هي وضيعة كلماته المبطنة بحزن حاقد"....ستكون أول تعليقاتكم...أعلم ذلك جيدا....لكن الكلمات لن تأخذ صيغة أنتقام عندها....بل ستتخذ شكل استفهام بريء متغابي....تختفي فيه كل أشكال المشاعر والمعاني المستترة.