05‏/04‏/2012

رومنسي..ولكن(2)

لقد أصبح على مشارف البلدة،طفولته كانت هنا..ورجولته أيضا...معالم وجوه أهل القرية البريئة أيقظت فيه ذاك الشاب المليء بالحيوية المتلهف للحياة خارج القرية،وصل إلى المنزل ...احتضن أخته الصغيرة...قبّلها قبلة طويلة استشعرت منها الحزن الذي يغّرق قلبه....سألته ببراءة "ما بك؟؟؟؟"..فأجابها بابتسامة هادئة لا تخلو من بعض التكلف...وأختار الصمت كجزء من الأجابة...توجه إلى أمه...قبّل رأسها ويدها...وتوجه مباشرة إلى غرفته القديمة...المكتب والكرسي لا يزالان بنفس الترتيب مذ تركهما قبل 6 سنوات،جلس إلى الطاولة يتلمّس الذكريات الخالدة عليها...ونظر من النافذة،غروب الريف أخّاآذ...عاد ليستكمل ما حدث ذلك النهار:


الساعة كانت تكاد تتجاوز السادسة عندما بدأتالشمس تعلن نهاية ذاك النهار الطويل،لم تأتي بعد....تفقد هاتفه للمرة الألف،مع أنه على يقين أن لا مكالمات فائتة أو رسائل غير مقروئة قد جدّت منذ آخر 3 ثوانِ....ما أصعب الأنتظار...دخل في حالة أستياء شديدة،فبين الأحفاظ بكرامته بعدم الأتصال بها،وبين الشوق والتساؤلات القاتلة عن السبب كان يتأرجح....وصل البيت دون أن يعي الطريق وأحداثها...جلس على أريكته المحببة وأسعل التلفاز على قناة لم يعرها أنتباها...أشعل سيجارة حرقة وصبّ كأس وسكي باردا وأخذ  بالتأمل....


هل كان خطأه أنه أعطاها أكبر من حجمها حتى تنسى موعدا مهما كهذا،أم أنها قد ملّلت منه ومن مزاجيته المحيرة أحيانا والمزعجة دائما،حاول مرارا أيقاف تلك الترهات عن التدفق داخل رأسه..فهو يعلم جيدا أن جرعة من حديثها وقليل من العذار ستنسيه كل هذا....وقاطعه عن كل لحظات الوحدة صرير باب غرفته القديم،أنه والده.قد عاد لتوه من العمل وآثر السلام عيله قبل حتى تبديل ملابسه عندما علم بمفاجئة وجوده في المنزل....جلس الأب على حافة السرير بعدما استعلم عن حال صبيه المحبب...وأخذ في سؤاله عن أحوال المدينة والعمل والوضع العام لأبنه...فكانت الأجابات الأيجابية تتابع في الخروج من فمه دون أن يشعر الوالد المسكين بأي من الهموم المطوقة لقلبه....وبعد العشاء والدردشة المطولة مع العائلة وأخبارها وأهم المستجدات في بلدته،قررت أمه مفاتحته بموضوع الزواج مرة أخرى....وتذكيره بأن العمر يجري وأن الأيام لن تنتظره...وزادت عليه بأخباره بأن أبنة عمه قد أنهت الثانوية بنجاح وأنها ستتوجه إلى المدينة لأستكمال دراستها....قما كان منه إلا أن أنقبض وظهرت أعراض العصبية على وجهه وتوجه دون النطق بحرف إلى باب البيت قاصدا منزل أحدى أصدقاء الطفولة...ليقضي عنده تلك الليلة ويعود للمنزل في وقت متأخر....

ومنذ الصباح الباكر عاد إلى المدينة رغم محاولات والدته أقناعه بالبقاء ليوم آخر إلا أنه آثر على نفسه التوجه للعمل،لعله يملأ وقته بدلا من معاودة التفكير بالموضوع مرة أخرى...وصل الشركة بموعده...أكوام من الأوراق تحتاج إلى مراجعة....أنهمك في العمل وفي منتصف النهار...رسالة نصّية على هاتفه...منها..."أنا أنتظرك على نفس الطاولة....لا تتأخر،أرجوك!!!"

يتبع...