28‏/05‏/2012

رومنسي...ولكن(3)



   الطاولة نفسها...إذا هي تعلم جيدا مكانة ذلك المكان في قلبه...فهو المكان الذي أحتضن نظراتهما الأولى,لقائهما الأول,حبه المنقذ....كان باحا ربيعيا صافيا لم يخلو من نسمة باردة عليلة توحي للجالس بصفاء يشابه صفاء السماء....استيقظ في ذلك اليوم باكرا على غير عادته في أيام العطل...فهو عادة ما يكون في مثل هذا الوقت من الأسبوع يحاول الاستيقاظ من دوار ما بعد الثمل,بعد ليلة صاخبة بالسهر....لكنه هذه المرة قرر الاحتفال بالربيع على طريقته هذه المرة..لوحده....ارتدى ثيابه,والتقط الجريدة من باب شقته...وفضل عدم ارتياد المقهى القريب الذي اعتاد ارتياده للحصول على السكينة والطمأنينة....فاليوم مختلف...تذكر أنه صادف مكانا جميلا كان ينوي الذهاب أليه حين تواتيه الفرصة,وها هي الفرصة إذا....شرفة كبيرة مطلة على منظر طبيعي أخآذ,هكذا يمكن للزائر وصف ذلك المكان....اتخذ طاولة مستظلة بظل شجرة فائقة الجمال كبيرة العمر....جلس إلى جريدته وطلب فنجان قهوة استنظره بمزيد من التأمل لجمال المكان وجاذبيته....حضر فنجانه,اشعل سيجارة أحتفالا بذلك وبدء باسقاط قطع السكر داخله...لكن شيئا ما لفت انتباهه...

   منذ لحظات حضورها الأولى وهي تفرض هيمنة جمالها على مكان بشكل ملفت.....سوداء,ليس كأرملة..لكن كعاشقة متمرسة,عيون وشعر بالسواد نفسه,سواد حب....غرورها ما جذبه بالرغم من كرهه للتبجح,إلا إن هناك في تبجحها شيء ما جذبه....الغرور ليس دائما كبرياء عالي...أنما في بعض الأحيان هو قناع الضعيف المكسور الخواطر....كانت كل تلك تكهنات,ولن يتأكد من أي منها حتى لو تكلم معها وحتى إن عشقها....أنها الأفكار,تجهز عليه شيئا فشيئا...لا بد من طريقة للوصول إليها بأي وسيلة....لم يجد أمامه سوى قطعة سكر أخيرة على الصحن الصغير الذي أحضره النادل للقهوة...فابتلعها بسرعة خاطفة كما أبتلع تلك الفكرة الالمجنونة...سيطلب منها السكر...وسط نبض متسارع ونظرات لم تستطع هي التهرب منها توجه نحو طاولتها التي لم ينتبه لوجود فتاتين معها إلا عندما أصبح على بعد فكرة من حب جديد....طلب السكر بهدوء وهيبة...وبكل لباقة شكرهن وكأنه يوجه الكلام لها وحدها وأنسحب بلباقة إلى طاولتها تعلو وجهه ابتسامة نصر متخفية.


   ركب بسيارة الأجرة بسكنية واحباط وغضب مخدر...متوجها لبيته,يفكر بأي أعذار ستقابله...بأي وجه ستستقبل وكيف سيكون اعتذارها....أنها أول مرة له معها في مقابلة اعتذار..لم يصرّ على ذكر الأعتذار بكل فكرة تخطر بباله...أنه يتمنى ذلك حقا...فحبه لها أضعف من احتمال صدمة منها على الأقل ليس الآن...حتى أنه لا يزال لم يؤكد قبوله الدعوة تلك بينه وبين نفسه...لا يعلم حقا كيف انتهى به المطاف بسيارة أجرة يطلب من السائق أيصاله إلى "مكانهما" بعد أن صعد إلى البيت واتبدل ملابسة الرسمية بأخرى رسمية أكثر,فالرسمية أمام الأحزان تعطيها طعما آخر...وصل المكان الموعود بسرعة فكرة....دخل...وتوجه فورا إلى حيث يجب أن تكون...ظهرها له,شعرها مربوط على عكس ما كان يطلب منها بتركه بلا سجان....زاد غيظه كثيرا,لكن عليه أن يهدأ.....وصل الطاولة ودون أن ينبس ببنت شفة...سحب كرسيه وجلس.....